منشورات المدونة

الخميس، 5 سبتمبر 2013

دلجا الآن بين المطرقة والسندان


عاجل| دلجا الآن: الإخوان المسلمون بقرية دلجا بالمنيا يحرقون الكنائس.
عاجل| دلجا الآن: مظاهرات حاشدة بالأسلحة تروع المارة
عاجل| دلجا الآن: الإرهابيون يجبرون قوات الجيش على التراجع.
عاجل| دلجا الآن: إغلاق مداخل ومخارج القرية من قبل الإرهابيين والمسيحيون تحت الحصار
عاجل| دلجا الآن: إحراق أقدم كنائس القرية من قبل المتشددين.

المتابع للأخبار هذه الأيام المتوترة سيمر من أمامه هذا الاسم مئات المرات في اليوم والليلة «دلجا»، وسيتفاعل مع الأحداث وكأنه يتابع أحداث «النخيلة» وعزت حنفي، أو كأنه يتابع أخبار خِطْ الصعيد! والحكاية أبسط من ذلك بكثير! فقط قرية كبيرة الحجم والعدد، تحب الله ورسوله والكتاب المبين، ترى أن الحكم بما أنزل الله من الشرع القويم، وقعت ضحية أشباه الصحفيين وأمثال المراسلين وأنصاف المثقفين، وأرباع المتعلمين وأخماس المحترمين، وأسداس المهنيين، من أصحاب مواخير الصحافة وصفر الدكاكين! وتحت وطأة حدثاء الأسنان في بلاط صاحبة الجلالة، فلعبوا بها الكرة، وضربوها أكثر من ضربة في أكثر من موضع حساس!

إنّ قرية دلجا القابعة على شط بحر الصحراء الغربي مترامي الأمواج والأطراف، والتي يبلغ تعداد سكانها ما يربُ عن المائة وعشرين ألف نسمة لم تكن يوما صانعة إرهاب أو مصدرة عنف، ربما تفاعلت مع الحدث الجلل الذي لازال يلقي بظلاله القاتمة على سماء المحروسة إلى الآن، ألا وهو الانقلاب العسكري الدموي الغاشم، والذي قام به ثلة من اللصوص! رأت بلدتي أن الذي حدث هو عين الظلم، فلم يستطع الفقراء في البلدة ابتلاع ذلك الأمر، أقول الفقراء لأن فقراء بلدتنا يتفجرون نخوة ورجولة وكرم أخلاق فضلا عن «بعض» الأغنياء فيها، ولو كان أغنياؤها -أو أكثرهم- على ذات القدر من كرم الفقراء لسدت بلدتنا نهرَ النيل بأوراق «البنك نوت» من خمس عقود مضت كانت بلدتي ولازالت فيها في الدرك الأسفل من الإهمال وسوء الخدمة، لكن شاءت إرادة الله أن يكون الأغنياء فيها كالتماسيح، متوحشون لكنهم بطيئو الحركة، والفقراء كالعصافير خفاف الحركة كرماء لكنهم لا يملكون سوى الترانيم والعزف الفريد، فجاءت من هنا المفارقة!

لقد عشقت بلدتنا العدل، وبحثت عنه كثيرا، ونشدته في كل العصور المتعاقبة عليها، وبين طيات الأيام المتوالية من فاروق إلى مبارك، لكن ومع كل عصر جاء، كانت البلدة تنحدر أكثر وأكثر، وكان السبب أن الطريق إلى الحاكم كان بعيدا جدا، يشبه المسافة التي تفصل الأرض عن المريخ، وجاء الرئيس محمد مرسي، فشعرت البلدة ولأول مرة أن الطريق إلى هذا الحاكم أقرب إليها من طريقها إلى نقطة الشرطة الواقعة على أول البلد، رأت فيه الرجل الصالح، الرئيس الذي يقابل ذوي الحاجات داخل المسجد، فكانت من هنا نقطة التلاقي، وحدث العشق المبالغ فيه بينها وبين الرجل الطيب، على الرغم أنها في فترة حكمه زاد فيها الإهمال، وتردت أكثر من ذي قبل، ووقعت فريسة لأنياب الفلول، والذين عاقبوها على وقفتها أيام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فصدروا لها المشاكل والأزمات، فكان أطول طابور على محطة «السولار» حكرا على قرية دلجا، إذ كان يبلغ طوله في بعض الأيام اثنين كيلو متر، ثم كانت مشكلة الغاز، إذ بلغت «الأنبوبة» فيها مائة جنيه، ثم كانت مشكلة الخبز، إذ كان الخبز فيها تأنفه البهائم، ثم كانت مشكلة الوحدات الصحية، وفيها وحدتان صحيتان لا يضارعان «عربخانة» لعلاج الحمير! ثم كانت مشكلة المستشفى القروي، وفيها مستشفى يا سادة، لا تصلح إلا لتكون سجنا لعتاة المجرمين، تدخلها صحيحا معافى، وبمجرد مرورك على دورة المياه فقط، وتصافح عيناك ما برز وما سال من وحولها (...) إلا وتصاب بحالة غثيان ربما تقضي على ما تبقى لديك من أمل، ثم كانت مشكلة الثأر، والتي أخفقت فيها الداخلية والعدل إخفاقا غير مُبرر وسقوطا أخلاقيا ومهنيا غير وارد، ثم كانت مشكلة المواصلات، وهذه وحدها تحتاج لمجلد، إن قلت فقط أن القرية الكبيرة المترامية الأطراف لا يوجد فيها إلى الآن مواصلات عامة ومن عام 1990 تقريبا، وكل الاعتماد على المواصلات الخاصة وسيارات النقل، لدرجة أن سائقي البلدة يطلقون لفظ «حَمَّل – حَمَلت» بدلا من «ركبت» وكأن أهل القرية صناديقَ وأجولة أو كائنات حية شبه ميتة! 

كل هذه المشاكل الجديدة أو التي لها جذور من الماضي السحيق كانت حاضرة في المشهد الثوري، فكانت المفارقات والتي صنعت المعجزات.
توافد أهل البلدة بالمئات على اعتصام رابعة والنهضة، لما رأوه من زاوية المظلومين، وبعين المقهورين، خاصة بعد مجزرة الحرس الجمهوري، وبعدما تبين للعالمين نية المنقلبين، فكانت النخوة التي تعرضت إليها في بادئ المقال، نفرَ الفقراء، ونفرٌ من الأغنياء، ودارت العجلة ذهابا وإيابا حتى تصدرت اللافتات «الدلجية» مدخل رابعة العدوية من ناحية شارع الطيران، وحتى تكلم عنها المجاهد الدكتور «صفوت حجازي» من على منصة رابعة شاكرا إياها في اقتضاب، وملئت صور الرواد صفحات التواصل الاجتماعي وفيديوهات الانترنت، حتى اليوم الأسود! فكان الرد عنيفا من بعض الناس، كان الرد على قدر معشار الحدث، ولم يتقدم مسيرة العنف واحدٌ ممن ينتمون للتيارات الإسلامية أبدا، بل تقدم المشهد بعضٌ من الاندفاعيين، وقليلٌ من النفعيين، فاندس النفعيون داخل المندفعين فكانت الكارثة، لكن أصحاب الدين لم ولن يرضون بذلك أبدا، وعلى العكس، خرجت خطبة الجمعة التالية في أغلب المساجد وبدون ترتيب مسبق، تستهجن ذلك الفعل، للدرجة التي جعلت بعض الأشقياء «الأغبياء» الذين وقعوا تحت مؤثر الثأر من النصارى يسترجع مواقفه ويُرجع ما أخذه من نصراني غني إلى بيت أخته لما وجد بيته قد سلب منه وطرد خارج القرية، هذا موقف لأحد البسطاء من أهل القرية، فما بال المتعلمين والمثقفين والمتدينين والذين تعج بهم القرية؟!
   
نأتي إلى دور الإعلام، ويا له من دور قذر، لقد مرت ولازالت وأنَّت ولا زالت، وبكت ولازالت، وافتقرت ولازالت واشتكت ولازالت قريتنا من كم المصائب والبلايا والمشاكل والأزمات على مر خمسين عاما مضت، ولم نرَ يوما مراسلا لجريدة صفراء كتلك التي تكتب الآن عنها، لم نرَ يوما كاميرا حقيرة بدائية بين يدي مصور «أحول» يصور القمامة التي تملأ مداخل ومخارج ومنتديات القرية وساحاتها الرئيسة، لم نسمع كلمة من مقدم برامج أو صاحب قناة أو محلل سياسي أو خالي شغل حتى، ينصف فيها بلدتنا، وكأننا خارج نطاق الزمان، أو كأننا لازلنا في القرن الثامن عشر الميلادي بينما باقي الجمهورية المصرية في القرن الواحد والعشرين! لم يجر باحثٌ بحثا عنها يوما ما، حتى الذين خرجوا منها من أبنائها مع الأسف خرجوا عليها وتنكروا لها ولم نرَ منهم خدمة تذكر إلا أولئك المرتزقة من مرشحي الحزب الوطني «المُنحل» أو ممن كانوا يحلمون به، ففي قريتنا رجلٌ كان يستطيع أن يعين الشباب العاطل فلما هم بالتعيينات -لمآرب عنده- انتقى أصحاب الطين والأعمال والضياع والحقول من علية القوم فقط، أما من عينهم من الفقراء فكانوا ممن تطول يده أعناقهم حتى يجدهم في ساعة عسرة، أما لوجه الله والبلدة فلم نرَ، أما عن المرشحين فحدث وتقيأ دما، كنا نعامل بمبدأ الجزرة والعصا، تعطيني صوتك تأكل جزرا، لا تعطين صوتك تأخذ عصاة على مؤخرتك، فكان تلفيق التهم وإجبار البعض على الإتيان بالسلاح الغير مرخص ليقدم لرؤساء المباحث ليأخذوا الترقيات، ويأخذ من قدمه بالحذاء على أم رأسه، فضلا عن ما كان يطلقون عليه «مواعيد» مجازا وهو ما يُتعارف عليه بـ «قعدات الصلح العرفية» إذ كانت الداخلية تفرض علينا عتاة المجرمين ليكونوا حكاما لنا أو علينا، والويل والثبور وعظائم الأمور لو خالفنا القضاء، فهو ليس بالقضاء، لكنه والله القضاء والقدر، كان الفقير يرجم بالقباقيب، وأصحاب «العباءات الحمر» يفسّح لهم في المجالس، لدرجة أن الحكام كانوا يأخذون رأي الخصم في القضية إن كان ممن يمتلك عباءة حمراء .. ويا له من خزي! إذ كانت تقدم الهدايا والعطايا من هواتف نقالة ومسدسات غير مرخصة للحكام الحاكمين ليحكموا بين العتاة المساكين!
  
هذه بلدتنا دلجا، والتي وقعت هذه الأيام بين المطرقة والسندان، مطرقة الإعلام القذر والذي يبحث عن شرارة فتنة فيزكيها، وسندان بعض الشباب من أبنائها الذين أعجبتهم لعبة المسيرات وأحجية المنصات وأغراهم «فلاش» الكاميرات فساقوا يكذبون على أنفسهم ويدعون ما ليس لهم ويصرحون بما يحلمون ويكذبون بما يأملون، فترى كل يوم كذبة جديدة في موقع جديد، مرة الجيش يعجز عن دخول القرية، ومرة دلجا تعلن الاستقلال عن الجمهورية، ومرة محمد البلتاجي يختبئ فيها ومرة عاصم عبد الماجد يسرح فيها، وكل هذا ليس له أساس من الصحة، فبلدتنا الأبية كما أخرجت رجالا عظما أخرجت أيضا شبابا سفهاء، مقلدين إلى أبعد حد، فلو تجولت في البلدة ليلة خميس ورأيت الأفراح مثلا وطريقة التفريح، لظننت نفسك في شوارع حلوان أو المعصرة أو مساكن عين شمس أو الكنيسة، حتى طريقة الكلام وطريقة العربدة ورائحة «البانجو» المنبعثة من كل مكان، ولو رأيت كم السلاح المستعمل في الأفراح لظننت نفسك في «جهينة» أو بني حسين الجسر أو المعابدة أو النخيلة أو دراو أو «نزلة عبد اللا» والبركة في الجينات الصينية عند بعض شبابنا، الجينات التي تجعلنا دائما مقلدين لسنا مؤثرين أو مُقلدين، هذه من السلبيات والتي كان من الواجب ذكرها حتى لا يتخيل القارئ أنني أتكلم عن «سبأ» بلدة طيبة ورب غفور.

وفي نهاية المطاف، بلدتنا دلجا هي شريحة مصغرة من بلدنا مصر، المسلمون فيها بسطاء، وسطاء، يحبون الصالحين وليسوا منهم على الغالب الأعم، فتراه يرفع صوت التسجيل بالقرءان الكريم للشيخ بعد الباسط عبد الصمد، ثم يتلو ذلك أغنية لعبد الحليم حافظ، يذهب لأداء صلاة العشاء في جماعة، ثم يأتي البيت ليتابع المسلسل العربي قديما والتركي حديثا، أولاد بلدتنا زبائن على الصيدليات ليلة الخميس، وزبائن على الجزارين المعتبرين يوم السبت، وزبائن على المحلات الفارهة في المدن الكبرى، ويحرصون على بناء مقاربهم وهم أحياء لعدم ثقتهم في من يحكمونهم أن يوفروا لهم مرقدا بعد الممات، وهم يحبون بلدهم وبلدتهم ويحبون دينهم، ويحبون المساجد، ويمازحون النصارى، ويعاملونهم في البيع والشراء والأخذ والعطاء، ولا يوجد شيء على غير العادة، اسأل الله لها الأمن والأمان، واسأل الله أن ينجيها من براثن الكذابين والمتقولين أنه ولي ذلك والقادر عليه. آمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى زلوم 


بعض الصور من واقع القرية الأليم، بدون رتوش ولا تزيين











0 التعليقات:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets

الجزيرة بث مباشر

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More