منشورات المدونة

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

وما حكم «الكباب» في دولة الانقلاب؟!



في سابقة هي الأسفل من نوعها أخبرني صديقي القاطن في مدينة ملوي بـ المنيا على الطريق الزراعي السريع، بكل أسى يقول: بينما عقارب الساعة تزحف نحو الثالثة صباحا، وأنا قلق لا أنام إلا بعد بزوغ الفجر خوفا من مجهول الليل، وكنت حينها أقف في شرفة منزلي المطل على الطريق السريع القاهرة أسوان، والذي يشق مدينة ملوي نصفين! ارقب عن كثب حركة السيارات وهي تغدوا مذعورة تهوي كجلمود صخر حطه السيلُ من عليّ! وتحت بيتي مطعمُ «كباب» تنبعث منه رائحة الشواء الطازج، ما يدل على أنّ صاحبه غيرُ مكترثٍ بحظر التجوال الفارض أطنابه على هدوء المدينة!

بعد برهة إذا بسيارة نقل محملة «طوب» بناء تتوقف وينزل منها شاب ريفي المنظر، يقترب من العقد الثالث، يدخل للمطعم فإذا بنادل المطعم ينادي عليه خارجه وقد أتخذ موقعا استراتيجيا يسمح له بمراقبة المكان كله، فيقترب الشاب منه ويطلبه أن يعد له عدة طلبات لحم مشوي لعدد زملائه القادمين معه بعدما يفرغوا من إفراغ الحمولة في مكان قريب، ويدس في يده مبلغا من المال، ويبدأ الرجل العمل مجددا، في الوقت الذي غابت فيه السيارة من أمام البيت!

تمر اللحظات ويأتي الشاب ومعه ثلاثة آخرون بينما السيارة تقف فارغة بعيدا وكأنها تتنهد من بعد الحمولة التي نزلت عن كاهلها! يجلس الشباب الأربعة على منضدة كبيرة ويبدأ الرجل صاحب المطعم في تضييع الوقت الذي تبقى على نضوج اللحم في تنظيم وإعداد المنضدة وترتيب الخبز والماء والملح والسلطات!
يتهامس الشباب في نشوة بعدما عوت أمعيتهم من شدة الجوع والتعب، وعلى وقع جهاز التلفاز الخافت ورائحة الشواء الذي زاد انبعاثه ما يدل على أنه على وشك النضوج راح الشباب الأربعة يتضاحكون في فرح الريفي الذي نزل إلى المدينة بينما الوقت لا يسمح بأكثر من ذلك فالوقت مازال متأخرا.

وقبل أن يأتي نادل المطعم بطلبات اللحم إذا بسيارة شرطة تأتي مسرعة لتتوقف فجأة أمام المطعم ويهبط منها ما يربو عن عشرة جنود ملثمين من قوة الداخلية ومعهم ضابط يلبس مدنيا! ويقتربوا من رهط الشباب الجائع منتظري الطعام اقتراب الذئب من الفريسة!
هنا قطع الشباب الضحكات والهمسات وساد جو من الصمت المرعب قبل أن تقطعه أصوات الجنود بالسباب المبرح، ثم بدأ الضرب الغليظ! والذي يصفه صديقي بأنه كان يشبه ضرب «منجد» بلدي لمرتبة قطنية أو مخدة! أخذ الجنود بأمر من الضابط يضربون الشباب بكل قسوة وكأنهم وقعوا في غنيمة كانوا ينتظرونها على أحر من الجمر! والشباب الأربعة يصرخون ولا من مغيث! وتعالت الصيحات ممزوجة بلعنات الشرطيين سائلين الشباب عن الذي أتى بهم في هذه الأوقات! لقد أكل الشباب «علقة» لم يكونوا يحلمون بنصفها وهم يتلمظون جوعا في انتظار وليمة الشواء التي لم يهنئوا بها، وانصرف الشرطيون بعدما أعطوهم درسا في «حب الوطن» لن ينسوه، ولم ينسوا أن يوبخوا صاحب المطعم لعدم احترامه مواعيد حظر 
التجوال! لم يمش هؤلاء الشباب في مظاهرة ولم يهتفوا ضد السيسي ولم يطالبوا بعودة الشرعية وليس مهم سلاح ولا ينتمون لجماعة محظورة وليس لهم رأي يخالف الحكومة الانقلابية! وربما لا يستمعون لقناة الجزيرة ولا يصلون في مساجد تقل عن ثمانين متر، وليس بمستبعد أنّهم يؤيدون الانقلاب العسكري! لم يقترفوا ثمة جريمة تذكر، كل ما فعلوه هو أن تصرفوا بطبيعتهم فلبوا نداء الأمعاء وأرادوا أن يعيشوا لحظات كانوا يتخيلون أنها ملكا لهم! وبكره تشوفوا مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى كامل زلوم    

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

انزل إلى النهر عسى أن تتطهر!



سيسألنا التاريخ، وستسألنا الأجيال القادمة! وبهذه السهولة فرطتم في مصر؟ وتركتم المساجد تُنتهك وحرمة الدين تدكها الأقدام؟!
وبهذه السهولة تركتم المصاحف تداس بالبيادات! وهرعتم إلى المسلسلات! وبهذه السهولة تركتم الحرية تغتصب على أيدي أقذر مخلوقات الأرض بل ووقفتم على بابها تستمعون لصراخ بكارتها بألم مصطنع! ألم تؤلم نخوتكم دموع الأمهات ولا عِرض البنات ولا دماء الشهيدات؟! هل تكلست الدماء في العروق أم أن ثلج الخوف قد تراكم على الصدور فغدت مجمدة لا حياة فيها؟! أين كانت نعرتك يا أبي وأين كانت شهامة أمي؟! وأخي الكبير أو الذي يريد أن يكون كذلك .. أين كانت شهامته التي جعلته يتصدى لجارنا حينما أراد أن يفتح نافذةً قبالة نافذتنا فحاربه مخافة أن تصبح حرمة بيتنا هملا مستباحا وهو الذي شاهد حرمة بلاده وهي تقتسم بين الأوغاد!
أنا حزين مكسوف يا أبي وأنا ابن عام 2015 على ما حدث في 2013 رغم أني لم أشاهده! والحمد لله أنني لم أشهده! مكسوف بالنيابة عنكم، وأشعر بالخذلان الذي استسغتموه أنتم حينها وكأن شيئا لم يكن وبرود الإنجليز في دمائكم!! أف لكم!

قل له «لا» والله ما كُنّا أبدا جُبناء ولم نكن! قل له: يا بُني لقد صمدنا في ميدان «رابعة العدوية» سابقا .. ميدان «غادة عبد الرازق» حاليا قرابة الشهرين لم يلن جنابنا أبدا! ولم نخشَ التهديدات ولا التوعدات ولا رصاص المدرعات، قابل آباؤك الرصاص بصدور عارية وبقلوب وجلة من الله فقط! .. لقد تسابقت النساء يا أبني على الموت كتسابق نسائهن على الرذيلة، وجرى شبابُنا على الموت كجريان شبابهم على بنات الخنا! لقد دكَّت الآليات الثقيلة اعتصاما سلميا أعزلَ بكل وحشية، وتترس القناصة خلف الدروع الواقية من رد الحجارة ومن قول «الله أكبر»، وتحصن ذكورهم خوفا من «حسبُنا الله» ولم نتمترس ولم نتحصن من رصاصهم المطاطي ولا الحي ولا من سجيل الخرطوش المتساقط!


وفي ميدان «النهضة» سابقا .. «سما المصري» حاليا أحرق الرجال والنساء أحياء، وداست الجرافات على الأجساد، فقرقعت العظام تحت الجنازير وتهتكت اللحوم وكأنها على «وضب» تحت عجلات الحافلات، وعلى أغنية «تسلم الأيادي» شرب القائد نخبَ اللحوم الحلال! شرب الخمر حتى بال على ورق المصحف المتناثر أمام ركام المسجد المحترق! في احتفالية كان الشيطان هو المعد وهو العتاد وهو الرائد والرواد! حتى أمست سيرتنا سيرة حرام بينما كل محرم في حرماتنا غدا حلالا، بداية من السباب بكل ساقطٍ إلى نزع حجاب العفة من على رؤوس الفتيات الصابرات المبتسمات! 


وفي ميدان «رمسيس» سابقا  «فرعون» حاليا وبالمسجد الذي كان قائما مكان «بيت ثقافة الفجالة» حاليا وكان يسمى «مسجد الفتح» حُصر الرجال والنساء داخل المسجد لم يستسلموا بينما لم ينصرهم أحدٌ لأن أحدا لم يسمع بهم! على الرغم من أن نكبتهم كانت «حصرية» ومصيبتهم كانت «فضائية» ففضل الناس متابعة المحرقة على الهواء من أن ينزلوا ليساندوا الضعفاء! إلى ظهر اليوم التالي إذ اعتلى قناص مئذنة المسجد ليضرب رصاصا على المحيطين بالمسجد ويبادله الواقفون الطلق بطلق والنار بنار، فكان من نتيجة ذلك إحراق المحتجزين داخل سيارة الترحيلات «شكرا» لهم على الثبات! بينما لم يصب أحدٌ ممن كان يطلق النار بـ «عيار» !!


ثم عوت السيارات في الأزقة والحارات تقبض على كل مسبح، لدرجة أنّ الناس غدت تسبح وهي تخفي المسبحة داخل طيات الملابس، من داخل فتحة في الثوب! فإن داهمه داهم ترك المسبحة على الأرض وداسها بقدمه وكأنه لا يعرفها ولا تعرفه، بعدما كان يا بُني يقرأ الشباب القرءان في المواصلات العامة، باتت القراءة حرام ففضل الشباب القراءة بجوار النهر، حتى إن فاجئه «مخبر» ألقى بالمصحف في الماء، ولكم طوت المياه مصاحف اختفت فيه، والكارثة لو أن المصحف طفا على صفحة الماء، فهو يومئذ جسم الجريمة، لذا وجب أن يثقله ولو بحذاء، كي يغرق في قاع النهر، فإن أردت أن تتعرف على حجم معاناتنا حينئذ فانزل لقاع النهر، ستجد فيه أسماء البلتاجي وهالة أبو شعيشع وعمار محمد بديع ونور الدين عبد الحافظ وعبد الرحمن عز وأحمد عاصم بيده كاميرا، أنزل للنهر عساك أن تتطهر!! ستخبرك المصاحف الغرقى ورفات الشهداء عن حجم العناء، ستخبرك عما كان! وكفاك من هذا الهوان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى كامل زلوم

السبت، 7 سبتمبر 2013

سما المصري وصلاح نصر .. مشوار حياة!



لم يعد في جعبة السيسي ودكاكين إعلامه سلاحا ناجعا ليتصدى به في وجه «الصداع» المستمر المسمى بقناة الجزيرة سوى أن يطلق على القناة أحدى المجندات بالجيش المصري العظيم سلاح الشئون المعنوية والعميل السري بالمخابرات العامة الراقصة سما المصري! وليس جديدا أن تستعين المخابرات المصرية بالمومسات! فتاريخ المخابرات مليء بالليالي الحمراء والملابس الداخلية والمشروبات الروحية، ولا ننسى للمخابرات المصرية أن قدمت يوما لعالم العهر وعلب الليل أكبر «قوَّاد» مر على طول الزمان كان اسمه «صلاح نصر» فصلاح نصر مدير مخابرات جمال عبد الناصر لعب أدوارا حساسة في حقبة ما قبل هزيمة النظام الناصري الحقير في يونيو 1967، لا تقل حقارة عن «الزعيم» ذاته! فكم وفق رؤوسا في الحرام، وكم ساق الفتيات الصغيرات المخطوفات «ذهنيا» إلى رجال مهمين بالدولة ليوقع بهم في براثن الفتنة وفي لعنة الخطيئة حتى يتسنى له مطاردتهم مستقبلا، حتى حول مصر إلى ماخور كبير يُضرب به المثل في عالم الرذيلة.

تروي عنه السيدة اعتماد خورشيد في مذكراتها الكثير والكثير الذي يشيب من هوله الغراب! إذ تقول: تزوجني صلاح نصر خطبةً من زوجي! لما رفضته وقلت له أنا امرأة متزوجة «وعندي عيال»، ولو لم تتركني لتقدمت ببلاغ ضدك لوزير الداخلية! فأتى بزوجي وبوزير الداخلية «فتحي رضوان» وأمرهما أن يشهدان على العقد العرفي الذي تزوجني به عنوة! - آه.
وفي موضع آخر تروي قصة «الغلاية» وهي الفيلا الخاصة بها على المريوطية والتي اغتصبها هي الأخرى ليسجن ويقتل فيها المقبوض عليهم من جماعة الإخوان المسلمين، وسبب تسميتها بـ الغلاية لأنه كان يجهز فيها محاليلا كيماوية تغلي في أواني كبيرة الحجم، ثم يلقي بها المقبوض عليهم فيذوبوا كما يذوب الملح في الماء!

أما عن تجنيد النساء وخاصة الفنانات والراقصات أمثال «المصري» فحدث وكلك حرج! كم من النجمات الزاهرات في عالم الفن والغناء -حقبة الستينيات- ذهبن بأقدامهن للفنادق والشقق الخاصة والفيلات التابعة لرئاسة الجمهورية ليقضين ليالي سوداء بين أحضان الشيطان برعاية الزعيم وكلبه، حيث كان يتم تسجيل تلك اللقاءات ليستمتع بها صلاح نصر الذي كان يعاني من الضعف الجنسي، لقد بلغ نصر مبلغا بين الزناة والبغاة وبائعي الهوى ومهيئي الخنا لم يبلغه أعتى الضالعين في هذا المضمار القذر، وكل ذلك كان تحت ستار الوطنية وخدمة الوطن وخدمة مصر! ومصر بريئة من كل هذه الأوساخ، وليست مصر بحاجة لماء المجاري كي تستحم. 

تقول أيضا السيدة خورشيد: ذهبت معه إلى «الشاليه» الخاص بالعائلة بالعجمي بالإسكندرية يوما وإذا بي أرى ويا هول ما رأيت، فتيات وفتيان في سن العشرينات يبدو عليهم جميعا أنّهم طلبة جامعة يمارسون الجنس الجماعي في صالة الشاليه أمام كاميرات فيديو ضخمة وتحت «إخراج» ضباط مخابرات كبار، فلما تفاجئت بالمنظر تراجعت للخلف خجلا مما أرى، فما كان منه إلا أن أمرني بالدخول وهو يقول: دول بس في حالة انسجام ثوري، ولما سألته ونحن عائدون ما سر هذه المجموعة الغريبة قال لي بالحرف: دي حفلات تعذيب، الفتيات منتميات لتنظيمات شيوعية والشباب منتمون لتنظيمات إسلامية، وبأمرنا يفعلون هذا كي نضع أنوفهم وأنوف ذويهم في الوحل، ونقوم بالتسجيل لهم حتى نستطيع قيادتهم وإذلالهم بكل سهولة.

اكتفي بهذا القدر من مقتبساتي من مذكرات السيدة اعتماد خورشيد، والتي جعلتني أصاب بالغثيان، واعتذر للقارئ العزيز على هذه المقتطفات ولكن كان لابد من سردها ليعلم المخدوعون في جهاز المخابرات المصري «العظيم» أو في قائد الجيش أو في مدير المخابرات العسكرية أو الشئون المعنوية أننا أمام أحط أنواع الحرب وأقذرها على الإطلاق، إذ تُطلق عاهرة مثل سما على قناة محترفة محترمة كالجزيرة فهذا لا يدل إلا على شيء واحد، وهو أن صلاح نصر –وإن كان قد هلك- لازال يدير المخابرات المصرية بنفس العقلية الجنسية المنحطة والأساليب القذرة، والتي كانت من أسباب خذلان القيادة في 67، لو أن القائد المنقلب لديه الجرأة وتحت يديه المهنيين لواجه الجزيرة بما هي أهله، وليس بما هو أهله، وأهل لخادمته الحقيرة. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصطفى كامل زلوم

الخميس، 5 سبتمبر 2013

دلجا الآن بين المطرقة والسندان


عاجل| دلجا الآن: الإخوان المسلمون بقرية دلجا بالمنيا يحرقون الكنائس.
عاجل| دلجا الآن: مظاهرات حاشدة بالأسلحة تروع المارة
عاجل| دلجا الآن: الإرهابيون يجبرون قوات الجيش على التراجع.
عاجل| دلجا الآن: إغلاق مداخل ومخارج القرية من قبل الإرهابيين والمسيحيون تحت الحصار
عاجل| دلجا الآن: إحراق أقدم كنائس القرية من قبل المتشددين.

المتابع للأخبار هذه الأيام المتوترة سيمر من أمامه هذا الاسم مئات المرات في اليوم والليلة «دلجا»، وسيتفاعل مع الأحداث وكأنه يتابع أحداث «النخيلة» وعزت حنفي، أو كأنه يتابع أخبار خِطْ الصعيد! والحكاية أبسط من ذلك بكثير! فقط قرية كبيرة الحجم والعدد، تحب الله ورسوله والكتاب المبين، ترى أن الحكم بما أنزل الله من الشرع القويم، وقعت ضحية أشباه الصحفيين وأمثال المراسلين وأنصاف المثقفين، وأرباع المتعلمين وأخماس المحترمين، وأسداس المهنيين، من أصحاب مواخير الصحافة وصفر الدكاكين! وتحت وطأة حدثاء الأسنان في بلاط صاحبة الجلالة، فلعبوا بها الكرة، وضربوها أكثر من ضربة في أكثر من موضع حساس!

إنّ قرية دلجا القابعة على شط بحر الصحراء الغربي مترامي الأمواج والأطراف، والتي يبلغ تعداد سكانها ما يربُ عن المائة وعشرين ألف نسمة لم تكن يوما صانعة إرهاب أو مصدرة عنف، ربما تفاعلت مع الحدث الجلل الذي لازال يلقي بظلاله القاتمة على سماء المحروسة إلى الآن، ألا وهو الانقلاب العسكري الدموي الغاشم، والذي قام به ثلة من اللصوص! رأت بلدتي أن الذي حدث هو عين الظلم، فلم يستطع الفقراء في البلدة ابتلاع ذلك الأمر، أقول الفقراء لأن فقراء بلدتنا يتفجرون نخوة ورجولة وكرم أخلاق فضلا عن «بعض» الأغنياء فيها، ولو كان أغنياؤها -أو أكثرهم- على ذات القدر من كرم الفقراء لسدت بلدتنا نهرَ النيل بأوراق «البنك نوت» من خمس عقود مضت كانت بلدتي ولازالت فيها في الدرك الأسفل من الإهمال وسوء الخدمة، لكن شاءت إرادة الله أن يكون الأغنياء فيها كالتماسيح، متوحشون لكنهم بطيئو الحركة، والفقراء كالعصافير خفاف الحركة كرماء لكنهم لا يملكون سوى الترانيم والعزف الفريد، فجاءت من هنا المفارقة!

لقد عشقت بلدتنا العدل، وبحثت عنه كثيرا، ونشدته في كل العصور المتعاقبة عليها، وبين طيات الأيام المتوالية من فاروق إلى مبارك، لكن ومع كل عصر جاء، كانت البلدة تنحدر أكثر وأكثر، وكان السبب أن الطريق إلى الحاكم كان بعيدا جدا، يشبه المسافة التي تفصل الأرض عن المريخ، وجاء الرئيس محمد مرسي، فشعرت البلدة ولأول مرة أن الطريق إلى هذا الحاكم أقرب إليها من طريقها إلى نقطة الشرطة الواقعة على أول البلد، رأت فيه الرجل الصالح، الرئيس الذي يقابل ذوي الحاجات داخل المسجد، فكانت من هنا نقطة التلاقي، وحدث العشق المبالغ فيه بينها وبين الرجل الطيب، على الرغم أنها في فترة حكمه زاد فيها الإهمال، وتردت أكثر من ذي قبل، ووقعت فريسة لأنياب الفلول، والذين عاقبوها على وقفتها أيام الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فصدروا لها المشاكل والأزمات، فكان أطول طابور على محطة «السولار» حكرا على قرية دلجا، إذ كان يبلغ طوله في بعض الأيام اثنين كيلو متر، ثم كانت مشكلة الغاز، إذ بلغت «الأنبوبة» فيها مائة جنيه، ثم كانت مشكلة الخبز، إذ كان الخبز فيها تأنفه البهائم، ثم كانت مشكلة الوحدات الصحية، وفيها وحدتان صحيتان لا يضارعان «عربخانة» لعلاج الحمير! ثم كانت مشكلة المستشفى القروي، وفيها مستشفى يا سادة، لا تصلح إلا لتكون سجنا لعتاة المجرمين، تدخلها صحيحا معافى، وبمجرد مرورك على دورة المياه فقط، وتصافح عيناك ما برز وما سال من وحولها (...) إلا وتصاب بحالة غثيان ربما تقضي على ما تبقى لديك من أمل، ثم كانت مشكلة الثأر، والتي أخفقت فيها الداخلية والعدل إخفاقا غير مُبرر وسقوطا أخلاقيا ومهنيا غير وارد، ثم كانت مشكلة المواصلات، وهذه وحدها تحتاج لمجلد، إن قلت فقط أن القرية الكبيرة المترامية الأطراف لا يوجد فيها إلى الآن مواصلات عامة ومن عام 1990 تقريبا، وكل الاعتماد على المواصلات الخاصة وسيارات النقل، لدرجة أن سائقي البلدة يطلقون لفظ «حَمَّل – حَمَلت» بدلا من «ركبت» وكأن أهل القرية صناديقَ وأجولة أو كائنات حية شبه ميتة! 

كل هذه المشاكل الجديدة أو التي لها جذور من الماضي السحيق كانت حاضرة في المشهد الثوري، فكانت المفارقات والتي صنعت المعجزات.
توافد أهل البلدة بالمئات على اعتصام رابعة والنهضة، لما رأوه من زاوية المظلومين، وبعين المقهورين، خاصة بعد مجزرة الحرس الجمهوري، وبعدما تبين للعالمين نية المنقلبين، فكانت النخوة التي تعرضت إليها في بادئ المقال، نفرَ الفقراء، ونفرٌ من الأغنياء، ودارت العجلة ذهابا وإيابا حتى تصدرت اللافتات «الدلجية» مدخل رابعة العدوية من ناحية شارع الطيران، وحتى تكلم عنها المجاهد الدكتور «صفوت حجازي» من على منصة رابعة شاكرا إياها في اقتضاب، وملئت صور الرواد صفحات التواصل الاجتماعي وفيديوهات الانترنت، حتى اليوم الأسود! فكان الرد عنيفا من بعض الناس، كان الرد على قدر معشار الحدث، ولم يتقدم مسيرة العنف واحدٌ ممن ينتمون للتيارات الإسلامية أبدا، بل تقدم المشهد بعضٌ من الاندفاعيين، وقليلٌ من النفعيين، فاندس النفعيون داخل المندفعين فكانت الكارثة، لكن أصحاب الدين لم ولن يرضون بذلك أبدا، وعلى العكس، خرجت خطبة الجمعة التالية في أغلب المساجد وبدون ترتيب مسبق، تستهجن ذلك الفعل، للدرجة التي جعلت بعض الأشقياء «الأغبياء» الذين وقعوا تحت مؤثر الثأر من النصارى يسترجع مواقفه ويُرجع ما أخذه من نصراني غني إلى بيت أخته لما وجد بيته قد سلب منه وطرد خارج القرية، هذا موقف لأحد البسطاء من أهل القرية، فما بال المتعلمين والمثقفين والمتدينين والذين تعج بهم القرية؟!
   
نأتي إلى دور الإعلام، ويا له من دور قذر، لقد مرت ولازالت وأنَّت ولا زالت، وبكت ولازالت، وافتقرت ولازالت واشتكت ولازالت قريتنا من كم المصائب والبلايا والمشاكل والأزمات على مر خمسين عاما مضت، ولم نرَ يوما مراسلا لجريدة صفراء كتلك التي تكتب الآن عنها، لم نرَ يوما كاميرا حقيرة بدائية بين يدي مصور «أحول» يصور القمامة التي تملأ مداخل ومخارج ومنتديات القرية وساحاتها الرئيسة، لم نسمع كلمة من مقدم برامج أو صاحب قناة أو محلل سياسي أو خالي شغل حتى، ينصف فيها بلدتنا، وكأننا خارج نطاق الزمان، أو كأننا لازلنا في القرن الثامن عشر الميلادي بينما باقي الجمهورية المصرية في القرن الواحد والعشرين! لم يجر باحثٌ بحثا عنها يوما ما، حتى الذين خرجوا منها من أبنائها مع الأسف خرجوا عليها وتنكروا لها ولم نرَ منهم خدمة تذكر إلا أولئك المرتزقة من مرشحي الحزب الوطني «المُنحل» أو ممن كانوا يحلمون به، ففي قريتنا رجلٌ كان يستطيع أن يعين الشباب العاطل فلما هم بالتعيينات -لمآرب عنده- انتقى أصحاب الطين والأعمال والضياع والحقول من علية القوم فقط، أما من عينهم من الفقراء فكانوا ممن تطول يده أعناقهم حتى يجدهم في ساعة عسرة، أما لوجه الله والبلدة فلم نرَ، أما عن المرشحين فحدث وتقيأ دما، كنا نعامل بمبدأ الجزرة والعصا، تعطيني صوتك تأكل جزرا، لا تعطين صوتك تأخذ عصاة على مؤخرتك، فكان تلفيق التهم وإجبار البعض على الإتيان بالسلاح الغير مرخص ليقدم لرؤساء المباحث ليأخذوا الترقيات، ويأخذ من قدمه بالحذاء على أم رأسه، فضلا عن ما كان يطلقون عليه «مواعيد» مجازا وهو ما يُتعارف عليه بـ «قعدات الصلح العرفية» إذ كانت الداخلية تفرض علينا عتاة المجرمين ليكونوا حكاما لنا أو علينا، والويل والثبور وعظائم الأمور لو خالفنا القضاء، فهو ليس بالقضاء، لكنه والله القضاء والقدر، كان الفقير يرجم بالقباقيب، وأصحاب «العباءات الحمر» يفسّح لهم في المجالس، لدرجة أن الحكام كانوا يأخذون رأي الخصم في القضية إن كان ممن يمتلك عباءة حمراء .. ويا له من خزي! إذ كانت تقدم الهدايا والعطايا من هواتف نقالة ومسدسات غير مرخصة للحكام الحاكمين ليحكموا بين العتاة المساكين!
  
هذه بلدتنا دلجا، والتي وقعت هذه الأيام بين المطرقة والسندان، مطرقة الإعلام القذر والذي يبحث عن شرارة فتنة فيزكيها، وسندان بعض الشباب من أبنائها الذين أعجبتهم لعبة المسيرات وأحجية المنصات وأغراهم «فلاش» الكاميرات فساقوا يكذبون على أنفسهم ويدعون ما ليس لهم ويصرحون بما يحلمون ويكذبون بما يأملون، فترى كل يوم كذبة جديدة في موقع جديد، مرة الجيش يعجز عن دخول القرية، ومرة دلجا تعلن الاستقلال عن الجمهورية، ومرة محمد البلتاجي يختبئ فيها ومرة عاصم عبد الماجد يسرح فيها، وكل هذا ليس له أساس من الصحة، فبلدتنا الأبية كما أخرجت رجالا عظما أخرجت أيضا شبابا سفهاء، مقلدين إلى أبعد حد، فلو تجولت في البلدة ليلة خميس ورأيت الأفراح مثلا وطريقة التفريح، لظننت نفسك في شوارع حلوان أو المعصرة أو مساكن عين شمس أو الكنيسة، حتى طريقة الكلام وطريقة العربدة ورائحة «البانجو» المنبعثة من كل مكان، ولو رأيت كم السلاح المستعمل في الأفراح لظننت نفسك في «جهينة» أو بني حسين الجسر أو المعابدة أو النخيلة أو دراو أو «نزلة عبد اللا» والبركة في الجينات الصينية عند بعض شبابنا، الجينات التي تجعلنا دائما مقلدين لسنا مؤثرين أو مُقلدين، هذه من السلبيات والتي كان من الواجب ذكرها حتى لا يتخيل القارئ أنني أتكلم عن «سبأ» بلدة طيبة ورب غفور.

وفي نهاية المطاف، بلدتنا دلجا هي شريحة مصغرة من بلدنا مصر، المسلمون فيها بسطاء، وسطاء، يحبون الصالحين وليسوا منهم على الغالب الأعم، فتراه يرفع صوت التسجيل بالقرءان الكريم للشيخ بعد الباسط عبد الصمد، ثم يتلو ذلك أغنية لعبد الحليم حافظ، يذهب لأداء صلاة العشاء في جماعة، ثم يأتي البيت ليتابع المسلسل العربي قديما والتركي حديثا، أولاد بلدتنا زبائن على الصيدليات ليلة الخميس، وزبائن على الجزارين المعتبرين يوم السبت، وزبائن على المحلات الفارهة في المدن الكبرى، ويحرصون على بناء مقاربهم وهم أحياء لعدم ثقتهم في من يحكمونهم أن يوفروا لهم مرقدا بعد الممات، وهم يحبون بلدهم وبلدتهم ويحبون دينهم، ويحبون المساجد، ويمازحون النصارى، ويعاملونهم في البيع والشراء والأخذ والعطاء، ولا يوجد شيء على غير العادة، اسأل الله لها الأمن والأمان، واسأل الله أن ينجيها من براثن الكذابين والمتقولين أنه ولي ذلك والقادر عليه. آمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى زلوم 


بعض الصور من واقع القرية الأليم، بدون رتوش ولا تزيين











الاثنين، 3 يونيو 2013

أعباط بلا قيود




شباب جمعية «أعباط بلا قيود» التابعة للكنيسة الأرثوذكسية تدعو لوقفة احتجاجية أمام السفارة الإثيوبية للتنديد بما أقدمت عليه إثيوبيا بشأن السد المزمع إقامته على النيل الأزرق! إلى هنا والخبر يوحي بأن الفعل جيد ووطني ويرجى من وراءه الخير، لكن مقابلة مع أحد المنظمين وهو شاب «عبطي» سخيف لا أعرف أسمه ولا أحب أن أعرف، يقول: جئنا لنقول للحكومة الإثيوبية إنَّ أي اتفاق ستجريه مع الحكومة «الإخوانية» لا يمثل الشعب المصري!
قمة السخافة والانحطاط الخلقي، أن تنشق الجبهة الداخلية خلف القيادة السياسية، وأن تجعل ظهرها عرضةً لأي ضربة استباقية غادرة، قمة الخيانة أن تستغل المعارضة الحدث الجلل والظرف الطارئ لتصفية حساباتها وتسييس الأمور بحسب هواها.
ثم إنَّ الكنيسة التي يرفع هذا «الشهم» لوائها ضالعةٌ في المخطط النذل، الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لديها نفوذ قوي جدا داخل أروقة اتخاذ القرار الإثيوبي لا يضارعه نفوذ سوى نفوذ الدولة اللقيطة الصهيونية والمد «الأنجلوأمركي» ولو أرادت الكنيسة المصرية الضغط لصالح مصر لفعلت! لكنها المنافع والمصالح والمكايد والحقد الدفين الذي تنتهجه الكنيسة الأرثوذكسية «التوضوسية» الحاقدة.
ولا أستبعد أن يكون المخطط «صهيوني، أرثوذكسي، أمريكي، إماراتي، سعودي، دحلاني، ساويرسي، فلولي، إعلامي، خائن» للانقضاض على الحكومة والرئيس والتيار المُنتخب والذي سيُنتخب بإذن الله وبعز عزيز أو بذل ذليل!
    ثم إنّ الشعب المصري لم يعطك صكا بالتحدث بالنيابة عنه! فلماذا تتكلم باسم الشعب؟! لماذا تظهر أمام العالم أنّ الشعب المصري جُله خائن ولا يساند حكومته؟! إن كانت الخيانة طقسٌ من طقوس التعبد لديك ولدى كنيستك فإن ديننا يحضنا على الوفاء والتوحد والوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص! إن كان كتابك «الغير مقدس» يأمرك بالخيانة، ويحضك على الغدر، ويضرب لك المثل والرمز في الضرب تحت الحزام، فإن ديننا وكتابنا «المقدس» يأمرنا بأن نأتي عدونا من الأمام ورمزنا ومثالنا لم يكن يوما همّازا ولا لمّازا ولا بذيء، بل لم تكن له خائنة الأعين «صلى الله عليه وسلم».


فلا تتحدث باسم شعبٍ أغلبيته الكاسحة الغالبة بإذن الله مسلمة خالصة ليست بالغادرة أو الكاذبة أو المنافقة! وإن كنت تبحث عن مصلحة بلادك فابدأ من كنيستك أولا! 

الجزيرة بث مباشر

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More